العائلة الكبيرة نعمة أم نقمة؟
اليوم أصبح مصطلح العائلة غائبا في مجتمعنا و قليل منا من يفهمه أو يعطيه القيمة التي يستحقها فهي الأساس الذي تبنى عليه شخصياتنا وتتجهز لمواجهة المجتمع.
العائلة الكبيرة نعمة أم نقمة؟
حسنا أنا أخجل من قول هذا و لكنّي حقّا كنت أكره الأسر الكبيرة، كنت أملّ من الأشخاص من حولي و أتمنّى لو كانت أسرتي صغيرة أو كنت وحيدة والداي. ربّما الكثيرون لن يستطيعوا فهم كرهي هذا ولكن من مرّ بتجربة مماثلة حتما سيعلم عمّاذا أتحدّث. أن تكون محاطا بأشخاص طوال الوقت و اليوم و حتى أثناء النّوم. أن تكون أقصى طموحاتك أن تحضى ببعض الخصوصية. أن لا تستطيع اجراء بمحادثة على الهاتف دون أن يسمع الجميع محادثتك , أن لا تستطيع مشاهدة برنامجك أو مسلسلك المفضل لأنّ وقت بثّه يتزامن مع مسلسل أختك أو برنامج أختك الأخرى أو صور متحركة أختك الصغرى، و مازالت عائلتي تمتدّ...
حتّى في الدراسة كنا ندرس سويا فافقد تركيزي وكنت أرجو لو أستطيع أن أستعمل الحاسوب متى أردت دون أنتظار دوري. كلّما أحضر لنا والدي السكاكر والحلوى كنت لا أفرح لأنّني لن أستلذّ بها لوحدي وسوف أضطرّ أن أتقاسمها مع أخواتي، انا أحبّ أن أتقاسم الأكل مع أخواتي طبعا و لكن ليس الحلوى, حتّى عندما كنّا نلعب سويّا كنّا نمضي معظم الوقت نختار أي لعبة نلعب ثمّ ينتهي بنا الأمر بعراك شديد وعقاب جماعيّ. كانت تلك المشاكل البسيطة والمضحكة بالنسبة لي مسائل جادّة عكّرت مجرى حياتي وسببها الأساسي عائلتي الكبيرة. كانت أمنيتي الوحيدة حينها أن أحضى بغرفة منفردة ارتبها حسب ذوقي وأدهنها بألواني المفضلة، أجعل فيها ركنا خاصّا حيث أضع أغراضي الخاصّة وألعابي الخاصّة كما سأخصص ركنا للدراسة حيث أدرس بهدوء .... لكنّني اليوم كبرت و صرت أضحك كثيرا كلّما ذكرت أنانيّتي البريئة وأمنيتي الغريبة تلك. لم أعلم أنّه سيأخذ منّي الأمر الكثير من الوقت لكي أعترف بقيمة عائلتي الممتدّة. كنت صغيرة حينها لا أهتمّ سوى باللّعب والمتعة لكنّني كبرت و صرت أهتمّ بالأشخاص، بالمبادئ، بالقيم، بالأخلاق والقرارات. و كل هذه الأمور تعلّمتها سبقا من عائلتي المتعدّدة الأفراد. ففي أول مرة ابتعدت فيه عن المنزل، وهو بداية مسيرتي الجامعيّة، كان عليّ أن أتعامل مع أشخاص غرباء وأختار أصدقاء جدد كما كان عليّ ان أتعلّم الكثير من الأمور الجديدة كتحمّل مسؤوليتي المادية و العملية وأن أعتمد على نفسي في اجتياز المصاعب التي قد تعترضني في هذا الطريق دون العودة لعائلتي وغيرها. و في هذه الفترة وجدت كلّ تلك الأمور الجديدة التي يتعلمها أصدقائي هي أمور قد اكتسبتها بالفعل منذ صغري. فأن تكون لك عائلة ممتدّة هي عبارة عن مرحلة تحضيرية للحياة، فأنت لن تتعلّم فقط من والديك بل أيضا ستتعلم الكثير من أخوتك، ستعترضك تجاربهم آراؤهم قراراتهم و حتّي شخصيّاتهم المتناقضة فتجد نفسك تعيش في مجتمع صغير تحلّل فيه ما حولك و تتعلّم منه دون أية مشقّة منك أو تعب. وجدت شخصيّتي نتجت عن خلطة متكونة من شخصيات أفراد أسرتي و وجدتني نسيج لأفكار و حكمة كل منهم ففادني الأمر كثيرا في التأقلم مع أناس كثر و فهم تقلّبات مزاج البشر و حتّى صرت كثيرا ما أجد تبريرات لأخطائهم وتصرفاتهم أتفهّمها دون أن تزعجني فمن منّا لا يخطئ. تعلّمت أن أحنرم الكبير و أن أرأف بالصغير وأداريه وأن أصبر وأتريّث في قراراتي. تعلّمت الرصانة والحكمة في الاختيار. أن تكون لك عائلة كبيرة في هذه الدنيا كأن تكون لك جذور تسندك، تساعدك، تحملك و تتحملك و تجعلك واقفا صامدا امام عواصف القدر. ربّما قد يكون لك أصدقاء جيّدون بل رائعون يفرحون لفرحك ويحزنون لحزنك يساندونك ويقفون بجانبك لكن عائلتك، والديك وأخوتك، لن يفرحوا فقط لفرحك بل سيدفعون كل ما يملكون لكي يروك سعيدا حتّى و إن لم تلاحظ أنت ذلك لكنه يحدث.
اليوم أقرّ لو أنّني حضيت بكلّ لعب العالم لن يكون اللّعب ممتعا دون أخواتي و لو أكلت كل الحلوى لن تكون بحلاوة تلك التي تقاسمناها سويّا و لو كانت لي غرفتي الخاصّة ما كانت لتكون بدفء و أمن تلك الغرفة التي جمعتنا و شهدت خصوماتنا، ضحكاتنا، أحزاننا، أسرارنا و حكايتنا قبل النّوم.
مجلة الأستاذة
تعليقات
إرسال تعليق
نتشرف بتعليقاتكم على مجلتنا