خواطر.....الصبارة التي بداخلنا!
الصبارة التي بداخلنا!
الأيام وخبرات الحياة كفيلة بتحويل فراشتنا إلى صبارة
نتجرعُ يومياً قدراً كافياً من المغالطات بحق قلوبنا، الانتقادات التي تطال شخصيتنا، سوء الفهم لردّات أفعالنا أو أقوالنا، حتى أصبح الكثير يتفنن بالحكم بعدم ثقتنا بأنفسنا، نتجرعُ يومياً سذاجة وتفاهة بعض العقول وآراءهم المتعبة عنا، والمرهق حقاً بأن الجميع ماهر في غض النظر عن حروبنا الداخلية..عن قصة كفاحنا.. المعاناة التي ولدنا بعدها من جديد.. قلوبنا المكسورة التي كستها شظايا وبقايا من براءتها.. أرواحنا التي ذبلت، ولم تعد بيضاء ولا حتى سوداء، أصبحت رمادية
البعض من الناس تعوّد على رؤية الفراشة التي بداخلنا، زاهية اللون خفيفة وحرة، الفراشة التي تملؤها البهجة، مليئة بالحياة، تعودوا على هذه الصورة الجميلة لنا، ولكنهم لا يستوعبون حقاً بأنه لا شيء يبقى على حاله ويا ليت (كان يبقى)، كما هي فصولنا الأربعة، تارة يحلو الربيع فينا، ثم يصيبه الخريف، وتارة يكسوه الجليد، وتارة يُصبح صيفاً حاراً لا يرحم، هكذا نحن لم يكن (الاختيار) مرفقاً في قاموس الحياة، نحن لا نختار ولا حتى بإرادتنا حوّلنا الفراشة، التي بداخلنا إلى صبارة تكسوها الأشواك، تلك الصبارة التي نبتت في عمق الصحراء القاحلة، تقف بشموخ دون انتكاسة متصنعة القوة، تتمنى أن تُسقى بماء بارد يُطفئ حرارة الوقت، لكنها امتازت بحماية ما تبقى منها من روح بتلك الأشواك حتى لا تسمح لما تبقى منها أن يقربه الدمار.
أعزائي القراء..
نحن نولد أنقياء وصالحين، حتى نكبر وتُفتح عقولنا على الدنيا، نُعاشر أشخاصاً عدة، نخوض في الحياة، نسعى ونجتهد، نسقط كثيراً ونفشل كذلك، تُخَيّبُ آمالنا كثيراً، نذوق كل أنواع الشعور من سعادة وحزن، قلق وخوف، وحتى الظلم والكره والحقد، كل ما سبق كفيلٌ بتغييرنا تغييراً جذرياً، كل ما سبق كفيل بإعادة نظرتنا للحياة، نغير مفاهيمنا ومعتقداتنا، حتى ضمائرنا يتم العبث بها، لـذا، لطفاً بقلوب الناس صغيراً كان أم كبيراً، ثمة نزعة خيرية تقطن في زاوية ما في أرواحنا (لنحييها)، لنكف عن إساءة الظن بالناس، لنرحم قساوة البعض بكلمات لطيفة، تُجبر هذه القسوة لتلين، لنضع أعذاراً طويلة لكل فعل، لنتفهم تلك الوجوه المتعبة، التي انعكس الخذلان على وجوههم، لنتلطف بالحكم على الناس ألا نُسابق الحقائق، ونصدر الأحكام.
قال الإمام ابن قيم، رحمه الله: «فليس للقلب أنفع من معاملة الناس باللطف وحب الخير لهم، فإن معاملة الناس بذلك إما أجنبي فتكتسب مودّته ومحبته، وإما صاحب وحبيب فتستديم صحبته ومودّته، وإما عدوٌّ مبغض فتُطفئ بلطفك جمرته، وتستكفي شره.
ومن حمل الناس على المحامل الطيبة وأحسن الظنّ بهم سلمت نيته، وانشرح صدره، وعوفي قلبه، وحفظه الله من السّوء والمكاره». (مدارج السالكين لابن القيم 2 / 511 ).
تعليقات
إرسال تعليق
نتشرف بتعليقاتكم على مجلتنا